(مائدة المسيح) حجاج صورة المقاومة في الإسراء والمعراج

الدكتور محمد بغداد

تابعت كغيري الجهد الكبير الذي بذلته المقاومة الفلسطينية خلال تسليم الرهائن، في إنتاج الصورة، تزامنت مع إحياء ذكرى الإسراء والمعراج، باعتبارها محتوى يحمل رسائلها التي تريد تبليغها،وبالرغم من ذلك الجهد المبذول الذي يكون قد تطلبا وقتا طويلا من الترتيب والإعداد والضبط إلا انه اهتم بكل التفاصيل ودقائق الأمور ، التي يقتضيها أعلى مستوى من الإبهار والترهيب في الوقت نفسه، إلا انه وفوق ذلك تضمن قوة الحجاج، ولكن المشهد الكلي ظهر لي انه تضمن أربع رسائل يفترض الاهتمام بها انتباها واستثمارا:

أولا: ما يثير الاستغراب إلى حد الدهشة هو الحجم الهائل من التدفق العالي من التعاطي العاطفي من طرف غالبية الجمهور المناصر للمقاومة والمساند لها، وفي مقدمتهم من يعتقد أنهم من الممارسين للعملية الإعلامية أو المطلعين على أبجدياتها، وكأن الصورة المنتجة في غزة من طرف المقاومة معجزة الإلهية، تكاد تكون مائدة المسيح عادت من جديد،  مما يتوجب اليوم أن نصارح أنفسنا جميعا، بان منظومتنا المعرفية في مجال الإعلام والاتصال أصبحت غير قادرة على القيام بتوفير ما يحتاجه الإنسان العادي، فما بالك بالمستوى المتخصص، مما يفرض اليوم على الممارسين للعملية الإعلامية إما الانتقال إلى زمن اللحظة الجديدة، وإما ترك عقول الناس وعدم التشويش على أذواقهم.

ثانيا: يفترض أن تكون لحظة صناعة الصورة في غزة من طرف المقاومة الفلسطينية، الفرصة الذهبية لكل العاملين في مجال صناعة المحتوى الاتصالي في أرجاء الأمة، للقيام بالمراجعة الكلية الشاملة والذهاب نحو اعتماد المناهج والأساليب الجديدة المعتمدة اليوم في صناعة الصورة، على اعتبار أن الأمة في أمس الحاجة إلى هذه الطاقة التي تلملم بعض جروحها وتداوي قليل من أمراضها وتبعد عنها القليل من شرور الأوبئة التي تعشش في أرجائها، على اعتبار أن المواطن العادي اليوم أصبح بعد استهلاك قوة صورة المقاومة المنتجة في غزة، لن يقبل بغير ذلك المستوى من الإبداع والاجتهاد المتألق، وسيكون ذلك المستوى الذي بلغته تلك الصورة هو المعيار الذي يقيس به كل منتوج مشابه له في عالم الاتصال. 

ثالثا: أتصور أن الذي يسارع إلى اقتناص اللحظة التاريخية سيكون المؤسسة الدينية، التي يفترض أنها الأقرب إلى مضامين المنجز الفلسطيني، على اعتبار أن الشحنة الدينية كانت طافحة في المشهد المقاوم والطابع المميز لطبيعة الصورة المنجزة، وستكون هذه اللحظة هي الآذان الإبراهيمي الذي ستعلنه المؤسسة الدينية لنفسها أولا وللناس ثانيا بأنها تعتذر للأمة جميعا عن سنوات الغفلة والمعصية والتمرغ في التخلف عن أداء الواجب الشرعي والتقصير في بناء المقاصد الكلية، وتباشر تنفيذ مضمون القاعدة المأثورة القائلة: (اللهم إني أعوذ بك جلد الفاجر ومن عجز الثقة )، فتتخلص أولا من (الثقة العاجز) وان كان صالحا، وتعتمد على (الثقة المبدع)، علها تحقق بعض التقدم، ودون ذلك لن يؤخذ منها عدل ولا تنفعها شفاعة.

رابعا: ازعم (واهما طبعا)، أن المؤسسات المستأمنة على تكوين إطارات الإعلام أو العاملة في مجال صناعة المحتوى، ستكون أول من سيلتقط اللحظة ويتعامل مع ظروف إنتاج الصورة، فيسارع إلى القيام بتلك العملية الجراحية العميقة والمؤلمة، فتقوم بالمسارع إلى استثمار هذه اللحظة وتنطلق في مرحلة التوبة النصوح، وتنتهج سبيل الإيمان بقدرات الإنسان وتعتمد على خياله وتستثمر في طموح الأجيال الجديدة من الشباب، وتلتزم بضوابط الإبداع الحقيقي وتتمسك بصرامة الانجاز التي تتطلبها المرحلة القائمة.

إن رسالة (صورة المقاومة)، التي تم إنتاجها في غزة وما يتبعها من صور أخرى في قادم الأيام، ستشكل مشكلة كبيرة في وجه المؤسسات التي تعمل على صناعة الصورة والمحتوى، كونها صورة أنتجتها عقول متبصرة بظروفها ومحيطة بمعطيات زمنها وقلوب مؤمنة بقضيتها، وهي موجهة لعدوها الصهيونية بالأساس، والى حلفائها المساندين لها في الغرب،مما يجعل صناع هذه الصورة لا يضع في حساباته الجمهور العريض المناصر له في ربوع الأمة، كون هذا الجمهور اثبت وطيلة هذا العدوان ولأكثر  من سنة انه مجرد جمهور عاطفي يطالب من المقاومة خوض الحروب وهو يبقى يصفق في المدرجات.