لرحاب الجزائر : خيرة منصور
ذكرى المولد النبوي الشريف في الجزائر تستمد طقوسها من عراقة الأجداد، فتجتمع فيها الثقافة بالطابع الاجتماعي والموروث الشعبي المتجذر في عمق الدين الإسلامي، والمشحون بحب الجزائريين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن ما يميز طقوس الاحتفال بها يجعل الجزائر متميزة، حيث يتم تخصيص الاهتمام الأول لهذه الذكرى السعيدة، ألا وهي ذكرى الخير والفرح بمولد سيد الخلق.
يتم التحضير مسبقًا وتهيئة كل ما من شأنه أن يضفي حيزًا من التميز لأغلى ذكرى، حيث يجتمع فيها الفرح ويعم الخير بين الأسر الجزائرية.
وكما جرت العادة، يحرص المجتمع الجزائري في ليلة ذكرى المولد النبوي الشريف على اجتماع أفراد الأسر في البيت العائلي.
فتبدأ النسوة أو ربة البيت بتحضير ما لذ وطاب من الأكلات الشعبية التقليدية، وذلك حسب كل منطقة وعاداتها.
فمنهم من يحضر الكسكسي بالمرق والخضر واللحم، ومنهم من يفضل طبق الشخشوخة وما تحتويه من مرفقات غذائية.
كما تزخر مختلف أرجاء الوطن بأصناف متعددة، إلى جانب طبق “الطمينة” المعد بالدقيق الخشن المحمص، ويُسكب عليه العسل الممزوج بالسمن (السمن البلدي). وتُضاف المكسرات والحلويات المتنوعة، إلى جانب الفواكه والمشروبات.
بعد العشاء، يستذكر الجميع خصال خير الأنام، متحدثين وساردين لأبنائهم الصغار صفاته الخَلقية والخُلقية، بسرد دقيق يستحضر وجوده من خلال صفاته الحميدة ورسالته المبعوث بها رحمة للبشرية جمعاء.
ويغوصون في تقريب صوره الذهنية إلى عقول أبنائهم كي يطلعوا على جمال محياه السمح، المتلألئ بفيض من الجمال الإلهي الذي جُمل به دينًا وخلقًا وخلقة، ليشبّوا على خصاله ويهتدوا بسنته.
أما في اليوم الذي يسبق الذكرى النبوية السعيدة، فتزداد حركة المارة في الشوارع والطرقات من أجل اقتناء مستلزمات متعددة لإحياء الذكرى الغالية على قلوبهم.
كما يضفي باعة المحلات الخاصة ببيع المكسرات والحلويات والفواكه حيوية غير معتادة، بإدخال ومضة احتفالية متجددة تزيل الروتين وتبهج الجو العام، حيث تعلو مكبرات الصوت بالمدائح الدينية المصلية على رسول الله، إلى غاية اليوم الموالي، الثاني عشر من ربيع الأول، يوم ولادة النبي محمد بن عبد الله.
وفي الجنوب الجزائري، تبدأ طقوس الاحتفال مبكرًا، وتنطلق من أول أيام ذكرى مولده، مستغرقة سبعة أيام كاملة لا تخلو من تمجيده.
فيعم التكبير والتهليل والصلوات على أحمد الهادي، في حلقات تصدح بقصائد عامرة بمدح محمد رسول الله.
وفي الساحات المخصصة للاحتفال ترتفع أصوات الإنشاد، وتتعالى زغاريد النسوة، ويُطلق البارود وتقام عروض الفروسية، إلى جانب تكريم حفظة القرآن الكريم من أحباء الله ورسوله.
كما تظل كافة مساجد الجمهورية عامرة بالذاكرين في حلقات روحانية، مستحضرة طيبة النبي وحبه، مجتمعين على محبته وذكره. ويحذو الجزائريون في هذه الليلة المباركة عادة حميدة ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، و هي خِتانُ الصِّبْيَةِ و تزيين كفوفهم وأقدامهم بخضاب الحناء التي يحبونها، على حب رسول الله. وهناك من يفضل إشعال الشموع وإنارة الغرف بنورها، مستمدين الابتهاج من وهجها المضيء، حبًا في رسول الله المبعوث هداية ونورًا للعالمين.








