اعداد : البروفيسور حمام محمد استاذ الاعلام والاتصال والادب جامعة زيان عاشورر الجلفة..
حين طرح العلماء والحنيفيون القدماء ظاهرة السَّلب في التصرفات الإنسانية، وجدوها متجذّرة في الكائن. فسّرها النفسانيون لاحقًا بأنها كامنة في باطن النفس أو في انعكاساتها الشرطية واللاشَرطية، كما تعلّمنا ذلك في الزمن المنير عصر الذهن الخالص.
ولعل القراءة الأولى لتطوّر سلوكيات الحسد والغيرة كانت مطالعها في مقتل قابيل لأخيه، وقبلهما في رفض الشيطان السجود لآدم، أصبح من المسلّم به في العلوم أنّ الخير والشر خطّان متوازيان، لكلٍّ منهما رجاله وسياسته.
غير أننا أحيانًا لا نجد تفسيرًا للعقليات المريضة المهترئة، ولا نرى لها علاجًا إلا من عند الله، إذ جُبلت على الإنكار، وعلى صبغ جهد الآخرين في زاوية الترقّب، وكأنها تؤكد المقولة: “السفيه بما فيه يَشين”.
اليوم، صار ما بين الذكاء الاصطناعي والبشري محور غيرة وحسد بالمفهوم القيمي؛ فالخوارزمية الفاعلة حين تُنجز تقارير موثّقة وبيانات دقيقة، قد لا يجد الإنسان المأزوم بدًّا من التعرض لها، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه هو من صنعها. غير أن بيت القصيد يكمن في أن الإنسان ظلّ عاجزًا عن التحكم في مشاعره التي أعجزت الفلسفة والتأويل والعقيدة عن استئصالها،فالخوارزميات تستطيع أن تُخفي التعليقات المليئة بالكراهية، لكنها لا تستطيع أن تمحو الكراهية من قلوب أصحابها.
إذ تبقى العِلّة مرتبطة إمّا بخلل مورفولوجي أو بجذور جينالوجية في حياة المريض. والباحثون يجمعون على أن التكيّف مع الواقع الجديد يحتاج عقودًا من الخسائر وسوء الفهم من طرف الذين يعتنقون مفاهيم خاطئة.
لقد بات بعض الناس يغارون من عدد متابعي غيرهم على “فيسبوك” أو “تويتر“، ويُصابون بالجنون حين يرون من يخالفهم أو يحظى بتعليقات العلماء والأدباء الكبار، فيندفعون خلف منشورات حقودة يظنونها مباركة، فيما يترك الذكاء الاصطناعي آثارهم مكشوفة بتحليل بسيط لأنماط ألفاظهم وتكرار عباراتهم وحتى أشكال تعبيرهم،إنّ الذكاء الاصطناعي قد يساهم في الحدّ من الغرور المصطنع الذي يقيس القيمة بعدد الإعجابات والمشاركات، لكنه في الوقت نفسه يفضح الغيرة المرضية التي تتفجر في النفوس المعتلة. فالخوارزمية قد لا تُطفئ نيران الحسد، لكنها تكشفها أمام الجميع.