رحاب الجزائر / الدكتور محمد بغداد
توجهت الأنظار إلى سجن سيدنايا باعتباره نموذج للرعب والوحشية الديكتاتورية، لنظام الأسد، حتى أن هذه الحملة الإعلامية المركزة وقعت أخطاء المبالغة والتلفيق،دون إغفال حالات الوحشية التي كانت عليها هذه السجون، في الوقت الذي تم التعتيم على سجون ومخيمات أخرى، لها من الخطورة ما يجعلها تهدد دولا وكيانات سياسية قائمة.
تؤكد العديد من المصادر أن هناك العشرات من السجون في شمال سويا، تضم عشرات الآلف من عناصر داعش والقاعدة وغيرها من المنظمات المسلحة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية، بشاهدة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، في كتابها (خيارات صعبة)،وإلى جانب هذه السجون هناك مخيمات تضم عائلات هؤلاء العناصر، وتذهب التقديرات إلى تجاوز هؤلاء في المخيمات الأربعين ألف (أطفال ونساء).
وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه السجون والمخيمات في شمال سوريا تقع تحت سيطرة الأكراد (قسد)، ولكن تحت حماية الجيش الأمريكي المتواجد في سوريا، فان مفاتيح هذه السجون سيكون توقيتها على اللحظة التاريخية التي يتم خلال تغيير الخريطة الجيواستراتيجة للمنطقة العربية في المرحلة الثانية من مشروع الربيع العربي، والذي سيكون فيه الدور للجماعات المسلحة التي ستعوض الشعوب الغاضبة في الشوارع.
إن المشهدية التي تم بها إسقاط نظام الأسد في سوريا دشنت لموجات الخوف ليس في أركان الأنظمة السياسية بل في قطاعات واسعة من الشعوب والفئات الاجتماعية، التي شعرت بحالة الرعب مما يمكن توقعه من استنساخ هذه المشهدية في المنطقة، كما أنها فتحت المجال للكثير من الأسئلة القلقة، التي يتحول فيها الموقف والقرارات الأمريكية بخصوص الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، ما بين التصنيف والتطهير والتثبيت.
قد يكون كتاب (خنجر إسرائيل) للمفكر الهندي كارنجيا، خير مفتاح للإجابة على بعض الأسئلة المشكلة لألغاز المصير المتوقع لما يمكن تسميته للمناولة في الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، فالعقل الاستراتيجي الإسرائيلي انتقل في ممارساته من ضرورة إحاطة إسرائيل بدول ضعيفة مسالمة ومطبعة معه لحماية أمنه القومي، أصبح اليوم يعمل على توريط المنطقة كلها في صراعات عسكرية واضطرابات سياسية ودوامات اجتماعية.
وهنا يكون الكيان الإسرائيلي قد نجح في توجه ضربة مؤلمة لمحور المقاومة (غزة /لبنان /سوريا /إيران/ وقريبا اليمن)، في انتظار فتح سجون الرقة ومخيمات الهول وتوجيهها إلى بقية دول المنطقة لممارسة التدمير ونشر الفوضى، وحتى الاستيلاء على القيادة في دول هذه المنطقة، استنساخا للمشهدية السورية، وما سبقها من المشهدية الأفغانية.
وفي هذه الحالة المتوقعة يكون الكيان قد استعد لحملة ترويجية تتناسب مع المعطيات المرحلة القادمة من قيادة العالم، وهنا تأتي موجة تسويق صورة الكيان الديمقراطي الوحيد في المنطقة، والقائم على حماية المصالح الإستراتيجية الغربية، كون مفاتيح سجون الرقة ومخيمات الهول بيده وهو المتحكم في سلوكات الجماعات المسلحة القادمة لقيادة المنطقة بعدما يطهرها من تصنيفات الإرهاب والتطرف.
إن المشهدية السورية والنموذج الأفغاني، خيران تجد المنطقة العربية نفسها مجبرة على الاستعداد لأحدهما، كون المحرك الأساس لهما هو الكيان الإسرائيلي، والعراب لهما هو حكومة (رجال الأعمال)، التي ستدير العالم للأربع سنوات القادمة، والرابط بين عقل الكيان وحكومة رجال الأعمال، هو الفوضى والتخريب لتحقيق الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي وتحصيل المنافع الاقتصادية الغربية.
وقد يعجلنا البعض بالتذكير بدور المحور المقابل (روسيا والصين) لخيارات الغرب وتوجهات حكومة رجال الأعمال، الذين تمكنوا من محاصرة هذا المحور من خلال مسارين الأول نزع اغلب أوراق المناورة (ضرب محور المقاومة)، والثاني الضغط الاقتصادي عبر إضعاف مشروع (البريكس)، وهو ما يسمح لحكومة رجال الأعمال العالمية من المفوضات والابتزاز المريح للمحور المقابل سواء بإنقاذ روسيا من مستنقع أوكرانيا، أو السماح باستئناف مشروع (الحزام والطريق).
وحتى لا يتصور البعض أننا نقع في الإحباط واليأس، فان باب الأمل يبقى مفتوحا والخيارات كثيرة والمبادرة ممكن، إذا تمت إعادة النظر في تدوير الكثير من الإمكانيات والقيام بالدور المناسب للفئات والمؤسسات، لاستغلال ما هو متوفر من الطاقات والاستثمار بعقلانية وذكاء فيما هو متوفر من ثلمات ونقاط الظل في مشاريع الكيان وحكومة رجال الأعمال العالمية.